خاطرة #1 : من الهلوسة إلى الفلسفة ..


من النوادر و الغرائب التي تصادفني و تلازمني ما يكفي للحكم علي بالجنون، لست نموذجا بشرياً عادياً فأنا غالبا ما تجدني حاضراً غائباً أطوف و أسبح في في عالمي الخاص بي ، و كل ما اراه في العالم الحقيقي تقريباً يربطني بأشياء من ذلك العالم المزيف المخيف ، نعم هو عالم أسود و أبيض غابت عنه الألوان.. غابت عنه الإبتسامة و الجمال و طغى فيه الشر و النفاق و التزييف .. الكل يرتدي هناك أقنعة : هناك من يغيرها كل يوم ، منها ما يعجبك و منها ما يشدك نحوها.

على كل الحال ، لست اليوم لأخوض في سرد و وصف ذلك العالم الذي كان يبدو جميلاً في بادئ الأمر ثم تحول إلى مشهد مرعب مخيف ، ليس العالم الذي تغير من الأحسن إلى السيء و لكنني أنا الذي تغيرت من السطحي إلى العميق، فقد كنت أنظر إلى أقنعتهم ظناً منني أنني أنظر إليهم ، واليوم و بعد سقوط القناع أصبحت أفهم أكثر نظام العمل هنا ، و أصبحت أشم رائحة الشر المنبعث من الأجسام و اللعاب الذي يسيل للحصول على كل ماهو مادي ، رأيتهم يفترسون .. إنهم مخلوقات مفترسة .. رأيتهم يعيناي يفترسون أحدهم ، لا أعرف تماماً ماالذي فعله لكنني أتذكر أنه لم يكن مثلهم لقد كان مميزاً عنهم، لقد كان هناك نور و ضياء ينبعث مع كل دقة من دقات قلبه لينير من حوله، لم يرق لهم الأمر فهم لايهمهم شيءٌ آخر غير الظلام.. وكل يوم يزدادون سوءاً عن اليوم الذي قبله ، واللافت للإنتباه انهم كلما ازدادوا سوءاً كلما كثرت المخلوقات المستنيرة التي يفترسونها أينما عثروا عليها، أكتب هذا و كلي أمل أن أسافر في يوم من الأيام الى ذلك العالم و أرى أن الأمور قد تغيرت كلياً آمل أن أرى عالماً منيراً تقوم فيه المخلوقات بإفتراس الكائنات الظلامية التي تسيطر اليوم عليهم.

إختلط علي الأمر.. إختلط علي الأمر و لم أعد متأكداً من سلامة عقلي ، فعندما عدت إلى عالمنا الحقيقي أصبح يبدو لي أكثر ظلمة من مما كان عليه الوهم ، فالأفكار و الأحاسيس تشابكت بين العالمين ، و فتحت فجوة بينهما جعلتني لاأكاد أفرق في أي عالم أنا .. لقد تُهت في الأبعاد الزمنية، أصبحت أرى تلك المخلوقات المظلمة تعيش بيننا .. لا أعرف إن يراها غيري لكنني متأكد أن هناك من رآها .. ليست لأنها صغيرة بل لأنها كبيرة جداً و الناس يهتمون فقط بالأشياء الصغيرة التي حولهم و غفلوا عن إدراك كل هذا الكم من الشر يحلق في السماء.


لم أجد ما أفعله في هذا المزيج من العوالم سوى أنني أرتدي قناعاً كالبقية منتظراً فرصتي لخلعه ، وهكذا أمضيت أعواماً و سنين من النفاق وسط مخلوقات أكرهها .. لم أنسى الوعد الذي قطعته على نفسي ولكنني كنت خائفاً أن يلاحظ أحد النور الذي ينبعث مني و يفترسونني مثلما كنت أرى في الوهم.. كنت أنتظر أن يأتي يوم تتوحد فيه المخلوقات المستنيرة حينها لن يتمكين الظلاميون من الإقتراب .. من شدة النور الساطع.

وفي المدة التي أقضيها على هذه الحال من الترقب و الإنتظار .. قررت أن أكتب ، أكتب عن ما رأيت في الوهم و كيف اختلط علي الأمر ، و أكتب كيف غفلنا و تركنا الظلاميون يتسللون إلينا و يحكمون عالمنا، و أكتب كيف أصبحت أشكك في كل شيء و كيف أصبحت أرى الأقنعة بوضوح.. إحترفت الزيف و درسته بالورق و القلم و لم يعد أي انسان يوهمني على أنه شخص ليس هو .. و أن فيه شيئاً غير الأشياء التي فيه. فهذه نصيحة مني أيها القارئ قبل أن تحاول أن تفهم ما قرأت، إفهم الزيف الذي يحيط بك، النفاق في كل مكان .. أنا كنت محظوظاً لأنني سافرت إلى عالم فتح ذهني و بصيرتي أما أنت فلم تحظى بتلك الفرصة المخيفة.. لكنك أنت لديك عقلك و لديك قوة ملاحظتك .. دائماً احفظ انه حتى في وقت استرخائك : عين تبصر، عقل يحلل .. تحياتي لكل من لم يفهم شيئاً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عقول راقيه جميع الحقوق محفوظة 2014

صور المظاهر بواسطة sndr. يتم التشغيل بواسطة Blogger.